دعونا نكسر قليلا" روتين المقالات الثقلية
و المقالات الذهنية و الفكرية المعقدة
و دعونا الآن فى (أبو العُريف)
أقول إن الجهل نوعان :
1- جهل بسيط
2- جهل مُركب
الجهل البسيط و هو أن يكون الشخص جاهل فى مجال معين
و يعرف أنه جاهل و يعترف بجهله فى هذا المجال
مثال ذلك : أنا مثلا" أعترف أنى عندى جهل
كبير بعلوم الفلك و الطب و الهندسة
و أن معلوماتى فى تلك المجالات هى
معلومات عامة بسيطة و ليست عميقة
و من هذا المنطلق فجميعنا لدينا هذا
النوع من الجهل و هو (الجهل البسيط)
النوع الثانى و هو (الجهل المُرَكَّب) صاحبه جاهل
و لكنه يجهل أنه جاهل ,, بعكس النوع الأول
فصاحب هذا النوع لا يعترف بجهله أبدا"
و يعتقد أنه عالم بكل شيىء و فى كل شيىء
و يدعى العلم ببواطن الأمور و خفايا الأسرار
و هو ينظر للأخرين بوصفهم (جهلة)
و أنه وحده قد أوتى العلم و المعرفة و الدراية
هذا هو (أبو العُريف) كما نسميه فى مصر تندرا" و أظن أن
الإسم شائع و معروف فى معظم البلدان العربية
و الواقع أن هذا النوذج من البشر موجود بكثرة فى الحياة
و ربما كلٍ مِنَّا قد صادف هذا النموذج
و تعامل معه مرة واحدة أو مرات عديدة
و الواقع أنى قد تعاملت و ما زلت أتعامل مع
هذا النموذج من البشر و لى معهم حَكايا تطول
أذكر لكم بعضها :
* شخص أعرفه من هذه النوعية أراد أن
يبنى بيت على مساحة يمتلكها من الأرض
و بوصفه (أبو العُريف) فقد اتخذ قرار عجيب ,,
قرر أن يبنى السقف الخرسانى للمنزل بدون استخدام (حديد التسليح)
و هذا ليس لأنه فقير أو بخيل (فهو كريم جدا" و ميسور الحال للغاية)
و لكن لأنه (أبو العُريف) ,, و لما قلت له أن السقف
سوف ينهار بالتأكيد إذا بناه بدون حديد التسليح
نظر لى باستغراب و حُزن و كأنه يرثى لحالى و جَهلى و قال لى :
أنت لا تفهم شيىء ,, فقلت له : إكسب الأجر و الثواب و فهمنى لله
قال : أنا سوف أبنى طابق واحد أرضى فقط
و لن يكون هناك أى مبانى فوق السقف
و بذلك لن تكون هناك أى أحمال عليه ,,
فلماذا إذن استخدام حديد التسليح
كما أن عناصر الخرسانة المسلحة سوف تتفاعل
مع بعضها البعض و تصير قوية بدون حديد التسليح
و قال بنبرة كلها أسى :
من المؤسف أنك مُتعلم تعليم عالى و لم تفهم ذلك من نفسك
و أصر الرجل على رأيه رغم تحذيرى و تحذير المهندس المقاول له
و تم بالفعل بناء السقف بدون حديد التسليح ,,
و بعد البدء برفع الحمالات الخشبية
بدأت التشققات تظهر فى السقف حتى
انهار الجزء تلو الأخر فى النهاية
و قابلت (أبو العريف) بعدها و ذكرته
بأننا جميعا" نصحناه ,, و لكن الغريب
أنه ظل مُصِرا" على رأيه و لم يعترف
بجهله (لأنه يجهل أنه جاهل أصلا")
و قال :
هذا خطأ المقاول لأن كميات الرمل
لم تكن متناسبة مع كميات الأسمنت
* و هذا (أبو العُريف) آخر :
أرسل فى طلبى فذهبت و دخلت عليه
و هو يتلوى من شدة ألم البطن
فقلت له قم بنا نذهب لطبيب أو نحضر لك طبيب هُنا
فقال : و ماذا يفعل الطبيب ,,
كل الأطباء جَهلة و لا يعرفون شيىء و يُضخمون الأمور كثيرا"
فقلت له : و ماذا فعلت
قال : إستعملت بعض المُسكنات و إن شاء الله سوف أتحسن
و ركب أبو العُريف رأسه و بعدها بيومين علمت الآتى :
كان الرجل يعانى من إلتهاب شديد فى (الزائدة الدودية)
و كانت على وشك أن تنفجر فى جسده
لولا فضل الله ثم إصرار أهله على الذهاب به
لأحد الأطباء و الذى أجرى له جراحة
عاجلة لإستئصال الزائدة الدودية
فى اللحظات الأخيرة ,, و لولا ذلك
لكان (أبو العُريف) فى خبر كان
تلك الوقائع قد حدثت بالفعل
و غير ذلك يوجد فى جُعبتى من المواقف
ما لا يتسع المقام لذكره هنا
الذى أود قوله هُنا هو :
إن إدعاء العلم قد يودى بصاحبه إلى التهلكة
و إذا لم نعترف بجهلنا فلا يمكن أن نتعلم أبدا"
فبداية إكتساب العلم و المعرفة و
الثقافة تبدأ باعترافى أنى لا أعلم
و بالتالى أسعى لاكتساب العلم و المعرفة
كما أنه لا يوجد أى شخص يُلم
بكل شيىء حتى فى مجال تخصصه
فلا تجد (مهندس) يحيط بكل خفايا الهندسة
و لا تجد (طبيب) يعرف كل صغيرة و كبيرة فى الطب
و قِس على ذلك ما شئت من الأمثلة
و للهِ فى خَلقهِ شؤون
بقلمى المتواضع
تحياتى و احترامى لكم جميعا"